Wednesday, January 16, 2008

تمبكتو وغدامس تدافعان عن حق الشعوب في صيانة ذاكراتها



باماكو (مالي) ـ بدأت في العاصمة المالية باماكو الثلاثاء الجلسات العلمية لندوة حق الشعوب في صيانة ذاكراتها الثقافية.
وتتزامن فعاليات الندوة مع الاحتفال الكبير الذي ستشهده مالي بتسليم جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان لمعهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية وبقية مكتبات المخطوطات في تمبكتو لإنشاء مركز باسم الجائزة يتولى صيانة المخطوطات وحفظها.
وافتتح وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مالي فعاليات هذه الندوة بكلمة أكد في مستهلها على الأهمية البالغة لهذه الندوة التي تناقش موضوع حق الشعوب في صيانة ذاكرتها التي تحفظ هويتها لإعادة بناء ماضيها نفسيا وثقافيا.
واستهل الأستاذ محمد بنشريفة عضو أكاديمية المملكة المغربية الذي ترأس الجلسة الأولى فعاليات الندوة بالتأكيد على أنها ستركز على موضوع غاية في الأهمية يتعلق بحق الشعوب في صيانة ذاكراتها الثقافية..ملاحظاً أن هذا الموضوع يشغل بال الجميع بعد الهجمة الشرسة للعولمة المتوحشة.
وقال "إن هذه الندوة ستخرج بجملة من الأراء والمصطلحات التي تسهم في التصدي لهذه العولمة التي تحاول محو ذاكرتنا الثقافية".
وأشار إلى أن هذه الندوة تأتي في سياق قرار اللجنة الشعبية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان بمنح معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الأسلامية جائزة القذافي لحقوق الإنسان هذا العام.
وأكد أن منح هذه الجائزة هذا العام يعد دعماً وتكريماً لهذا المعهد ولمكتبته التي تزخر بالمخطوطات النفيسة التي قام أنجزها العلماء الأجلاء في مالي.
وقال "إن علماءنا لم يقصِّروا في حفظ الذاكرة الثقافية لشعوبنا بدءاً من القرن العاشر حيث لم تزل راسخة المجهودات الكبيرة التي بذلوها في تسجيل هذه الذاكرة وحفظها وتدوينها".
واستعرض أسماء علماء اثروا الذاكرة الثقافية برصيد ضخم تم إحياؤه في معاهد الدراسات الإفريقية في العديد من البلدان..داعيا إلى ضرورة المحافظة على هذه الثروة وصيانتها.
وقدم بعدها الكاتب والأديب علي مصطفي المصراتي عرضاً شاملاً حول حق الشعوب في صيانة ذاكراتها الثقافية التي حددها في ثلاثة أنواع هي "السلبية، والإيجابية، والمشحونة بمعلومات خاطئة ".
وأكد أن هذه الذاكرة تعني الجمع ما بين الحاضر والمستقبل وتواصل الأجيال بين المثقفين والمفكرين والفنانيين.
وقال "إن ذاكرة أمتنا الإسلامية والإفريقيا هي موضوع الساعة خاصة ما يطرح في الساحة العالمية من أمور تتعلق بفرض التبعية وغيرها".
واضاف "إن الذاكرة تعني الوعي بقضايا الانسان المعاصرة أينما كان وهي التي يجب أن تبحث عن الإيجابيات وتنميها عن طريق حيوية العطاء واتساع المعرفة".
وشدد المصراتي على ضرورة أن تحتفظ الذاكرة بمقومات الشخصية وألا تعتمد على النقل وأن تهتم بالجذور لا بالتقوقع والتعصب أو العنصرية.
وقال "يجب علينا ألا نقبل من يرسم لنا خريطة للطريق لأن مثل هذه الخريطة يجب أن نصنعها ولا نتلقاها من أحد".
ونبَّه إلى أن أي شعب لا يهتم بذاكرته وتراثه وفكره قد يتجاوزه الزمن مثلما تجاوز العديد من الحضارات التي سادت وماتت.
وقال "إن الذاكرة الثقافية هي الذاكرة الواعية التي ترفض ترسبات العادات والخرافات والتي يجب أن تُصفى عن طريق النقد الموضوعي وبالادراك السليم لحفظ تاريخ شعوبنا وامجادنا".
وفي مستهل الندوة حيَّا مصطفى القباج عضو المكتب التنفيذي لجائزة القذافي الدولية لحقوق الانسان "الأخ قائد الثورة (الزعم الليبي) وريادته الشجاعة في مجال الدفاع عن المستضعفين وحقوق الانسان والشعوب في كل مكان".
وقال "اننا ننتهز هذه الفرصة التاريخية لنحيي راعي هذه الجائزة التي تحمل اسمه القائد معمر القذافي الذي أبدع فكراً وفلسفة سياسية تقوم على أساس قاعدة الالتزام المطلق بحقوق الإنسان واحترامها نظرياً وممارسة..وهو الفكر الحي الذي إنبثقت منه جائزة القذافي التي تحتفل امس بذكراها العشرين، إذ صدر نصها التأسيسي سنة 1988".
وأشار في كلمته إلى إسناد هذه الجائزة لأول مرة سنة 1989م للزعيم الإفريقي المناضل نيلسون مانديلا مروراً بالرئيس أحمد بن بلة والرئيس فيدل كاسترو والبابا شنودة وهوغو شافيز وصولا إلى مهاتير محمد وكذلك إلى أطفال الحجارة في فلسطين وإلى اطفال العراق والى عدة رموز.
وأضاف القباج "إن هذه الجائزة تسند لأول مرة لمؤسسة علمية نعتز بها وهي معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية وبقية مكتبات المخطوطات في تمبكتو".
وأكد "وإن هذا العمر الطويل للجائزة أعطاها إشعاعا في كل انحاء العالم..فكل هذه الأسماء التي ذكرت وكل الرموز التي ذكرت هي شعار لتكريم كل الذين كافحوا وبذلوا الغالي والنفيس من أجل حرية الشعوب وانعتاقها من ربقة الإستعمار والهيمنة الأجنبية والذوذ والدفاع عن كرامة الانسان وصون الهوية الوطنية ".
واختتم القباج كلمته بتوجيه التحية والإكبار للزعيم الليبي وقال "لايسعني في هذا المقام إلا أن اتوجه بإسمكم جميعاً إلى الجماهيرية العظمى وقائد ثورتها القائد الفذ معمر القذافي بالتحية والإكبار لريادته الشجاعة في مجال الدفاع عن المستضعفين في كل مكان وفي مجال صيانة حقوق الإنسان وحق الشعوب في عصر العولمة الساعية لتنميط الحياة والقضاء على الهويات والإجهاز على الذاكرة الثقافية للشعوب".
وقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مالي "إن موضوع ذاكرة الشعوب الذي يجمعنا يكتسي أهمية بالغة لأن الذاكرة تعني الماضي وإعادة بنائه سيكولوجيا وثقافيا بما يسهم في حماية هوية الجماعات وبالتالي هوية الشعوب وبما يضمن حقها فى صيانة ذاكرتها الثقافية لمواجهة العولمة الليبرالية التي تستهدف هويات الشعوب خاصة في البلدان المستضعفة اقتصاديا".
وأضاف الوزير المالي "إن مسألة حماية الذاكرة تشكل رهاناً اساسياً بالنسبة لاعادة بناء التاريخ ونقل القيم والتكيف وكذلك حماية لغتنا التي يهددها العالم الذي يشهد تحولات متسارعة، خاصة بالنسبة لمجتمعاتنا الافريقية التي تعتمد ذاكرتها الثقافية على التقاليد الشفوية وسيلة أساسية لحماية وصيانة معارفها".
وأشاد وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مالي في كلمته بعمق العلاقات التاريخية التي تربط الجماهيرية العظمى وجمهورية مالي..مبرزاً العلاقات المثمرة التي نسجها التواصل التاريخي بين مالي وليبيا منذ القرن الخامس الأول قبل الميلاد، حيث كانت غدامس الأول واستمرت مركزا أساسيا للتجارة مع الغرب الافريقي ولعبت دورا مهما طيلة القرون المتعاقبة في التواصل الثقافي بين البلدين.
وأضاف الوزير في كلمته قائلا "إن هذه الصفحات التاريخية المشتركة تؤكد أن الصداقة بين شعبينا المالي والليبي تستمد جذورها من التاريخ وتجسدها الذاكرة التاريخية المشتركة للعلاقات التجارية بين تمبكتو وغدامس الأول وطرابلس والتواصل البشري والثقافي والتجاري الذي لم يتوقف ابداً بين البلدين..كما أن العديد من وثائق غدامس الأول عناصر أساسية لما يمكن أن نسميه الذاكرة المشتركة بين الشعبين المالي والليبي".
ودعا الوزير المالي إلى رصد وثائق هذه الذاكرة المشتركة وأن تقوم معاهد ومراكز البحوث والمؤرخون في البلدين بتنفيذ برامج مشتركة لدراسة هذه العلاقات الراسخة بين مالي وليبيا.
واختتم وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مالي كلمته بالتأكيد على أهمية المحافظة على ذاكرة شعوبنا الإفريقية و"أن تتظافر الجهود في مجال البحث المشترك لنعرف تاريخنا بشكل أفضل ونحافظ عليه وندرسه لأجيالنا وهو ما يدعو إليه القائد العظيم معمر القذافي للتأكيد على أهمية مشروع كتابة تاريخ إفريقيا الذي تتولاه اليونسكو".
وقدم بعدها الأستاذ جبريل دوكوري من مالي بحثاً بعنوان "مشمولات الذاكرة الثقافية..مخطوطات تمبكتو نموذجا" ركز فيه حول المخطوطات وقيمتها العلمية مستهلاً بحثه بتقديم لمحة تاريخية حول نشأة مراكز المخطوطات وظهورها في السودان الغربي خلال القرن الخامس الأول عشر الميلادي.
وأشار في هذا الصدد إلى ظهور الإمبراطوريات الإسلامية في المنطقة الساحلية جنوب الصحراء والتي تمركزت في مدن ولاتة وتمبكتو وغاو وجني، مستعرضا ملامح النهضة العلمية الكبيرة التي شهدتها هذه المدن والكتب والمخطوطات التي نقلت إليها من مصر وليبيا والمغرب.
وتطرق الباحث المالي إلى انتشار المخطوطات في تمبكتو والعوامل التي أدت إلى تلف بعضها، مقدماً نبذة عن معهد احمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية الذي أسندت إليه جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان هذا العام.
وأكد المناضل الجزائري أحمد بن بلة رئيس اللجنة الشعبية لجائزة القذافي الدولية لحقوق الانسان على أهمية تنظيم هذه الندوة للحفاظ على ثراتنا التاريخي الإفريقي.
وقال في كلمته بالجلسة الافتتاحية للندوة "إن واجب الذاكرة الذي تتناوله هذه الندوة يذكرنا بالمساهمة التاريخية لافريقيا في التاريخ الانساني ويفرض علينا المحافظة على الاشعاع الثقافي والارث المشترك لهذا الفضاء من أجل تعزيز اندماجه الثقافي بشكل أفضل".
وأكد على أهمية اكتساب المعرفة والتحكم فيها وتنفيذ مشاريع التنمية البشرية التي تضع الانسان فى صميم اهتماماتها خاصة بعد أن أصبح الانسان وليس الدخل القومي هو هدف التنمية.
وقال "إن هذه هي رؤيتنا امس للتنمية البشرية التي تضع الانسان في مركز الاهتمام في وقت يواجه فيه امس قسوة العولمة".
واختتم رئيس اللجنة الشعبية لجائزة القذافي الدولية لحقوق الانسان كلمته بالتعبير عن الامتنان لهذه المبادرة التى تبشر بكل خير، متمنياً لها كل النجاح.
وقدمت سالمة عبدالجبار أمين مركز دراسات الأديان بأكاديمية الدراسات العليا ورقة بحثية تناولت فيها "خطورة الاطروحات الغربية التي أفرزتها الظاهرة الأستعمارية والتي تروج لفكرة تفوق الحضارات وأوقعت العالم في الثنائيات المعروفة الغرب والشرق، الشمال والجنوب، المتخلف والمتحضر".
وأكدت الباحثة أن الواقع أثبت أن هذه الاطروحات تقوم على مقدمات مغلوطة بسبب الفصل بين الحضارات والهويات والثقافات ونتيجة لاعتمادها على منطق الإقصاء والتمييز والإلغاء المطلق للآخر.
ولاحظت في هذا الصدد "أن الخطاب التاريخي الغربي أصبح خطاباً جامداً مغلقاً لا يتم تجديده إلا وفق عقلية تستند إلى منطق القوة العسكرية التي سادت العالم في القرون الماضية وما زالت تعتمد نفس المنطق حتى اليوم".
وأكدت الباحثة في ورقتها أن "الخطاب التاريخي للغرب هو الذي قام باغتصاب وهتك الذاكرة الإنسانية خاصة أن هذا الخطاب اعتبر الجغرافيا كتلة وتضاريس جامدة واعتبر تأسيساً على الظاهرة الأستعمارية، الدول المغايرة للغرب ومن بينها إفريقيا امتدادا لأوروبا يحق لها إستغلالها والعبث بمعالمها والسطو على ذاكرتها وتحديد خطوط جغرافيتها".
ودعت الباحثة في هذا الشأن إلى وضع استراتيجية كفيلة بصياغة الذاكرة وحمايتها من التشويه والزوال.
وفُتح باب النقاش حول الموضوعات التي تناولتها الورقات العلمية التي قدمت خلال الجلسة الصباحية لهذه الندوة.
وتخلَّل الجلسة الافتتاحية للندوة عرض شريط ضوئي عن مدينة تمبكتو إحدى كبريات حواضر الإسلام العريقة في العالم، وحاضرة الإسلام في إفريقيا.
وتناول الشريط اشعاع تمبكتو كمركز علمي ثقافي أسهم في ازدهار الثقافة وعلوم اللغة في الصحراء الكبرى.
وأبرز العرض زيارة الزعيم الليبي التاريخية لتمبكتو وبخطبته في تظاهرة التحدى الإسلامي الكبرى احتفالاً بذكرى مولد خاتم أنبياء الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وتطرَّق الشريط إلى الدور المتميز الذي لعبته في التجارة باعتبارها كانت محطة للرحالة القادمين من شمال القارة وغربها وشرقها ومن الجزيرة العربية.
وأوضح الشريط المعالم التاريخية لهذه المدينة بمساجدها ومناراتها الإسلامية القديمة وإرثها الثقافي ومخطوطاتها القديمة التي يتجاوز عددها مائتي ألف مخطوط.
وقدم الشريط نبذة عن أهم المكتبات التي تحتضن الجزء الأكبر من هذه المخطوطات.(أوج)

No comments: