Saturday, February 2, 2008

الغزو الاميركي للعراق: نزع اسلحة لا وجود لها وتدمير بلد بأكمله


بغداد – من جاك شارمولو

كان الوقت متاخرا في بغداد في الخامس من شباط/فبراير 2005 عندما ادار سعد توفيق بقلق شديد جهاز التلفزيون.

انتظر توفيق هذه اللحظة منذ اشهر عدة وجلس هذا الذي كان يعتبر احد "علماء" نظام صدام حسين، يتابع قناة اجنبية تبث خطابا مهما يلقيه وزير الخارجية الاميركي كولن باول امام مجلس الامن الدولي.

وبعد اعوام، يقول الرجل الخمسيني صاحب الوجه المستدير والشارب الصغير والنظرات الثاقبة وراء نظارتين "سرعان ما وجدت نفسي وانا اجهش بالبكاء" اثر سماعي الخطاب.

ويتابع الرجل من عمان حيث يقيم "لقد حاولت لكنني ادركت بانني لم انجح" ويروي بمرارة كيف شارك في عملية سرية لجهاز "سي اي ايه" ادت الى الكشف عن الحقيقة اواخر عام 2002: عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق.

وبدأ باول مستعينا بخرائط وصور ووثائق، توجيه اتهامات قوية لنظام صدام حسين مناشدا العالم خوض حرب لتدمير ترسانته النووية والكيميائية والبيولوجية.

وكان كل شيء بدأ في حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2002 عبر اتصالات هاتفية من سوسن الطبيبة شقيقة توفيق المقيمة منذ اكثر من 20 عاما قرب كليفلاند، وسط غرب الولايات المتحدة.

وقالت سوسن في احد اتصالاتها بتوفيق ان "ابو محمود يمارس ضغوطا شديدة علي"، ولم يجد توفيق اي صعوبة في فهم مرادها، اي ان اجهزة الاستخبارات الاميركية تمارس ضغوطا عليها.

وبما ان توفيق كان مسؤولا ابان النظام السابق عن الرقابة على برامج اسلحة الدمار الشامل، كثيرا ما كان يسافر الى الخارج برفقة احد المسؤولين الامنيين ويناديه ابو محمود.

وكان احد عملاء "سي اي ايه" تقرب من شقيقته، وهي امراة قصيرة القامة مفعمة بالحيوية، تقيم مع زوجها علي في منزل جميل قرب كليفلاند.

وقالت سوسن عن العميل انه "يدعى كريس وكان لطيفا للغاية" طلب مساعدتها للكشف عن حقيقة ما تبقى من جهود يبذلها الرئيس العراقي السابق لامتلاك السلاح النووي او الكيميائي والبيولوجي.

ومن اجل ذلك، كان عليها ان تتعاون في عملية اختراق هي الاكثر جرأة في تاريخ "سي اي ايه" وضع خطوطها احد المخضرمين واسمه تشارلي آلن.

ومن لائحة العلماء العاملين في برامج التسلح العراقية، ويعرفهم مفتشو الامم المتحدة الذين التقوهم منذ العام 1991، اختار آلن حوالي ثلاثين لديهم اقارب في الولايات المتحدة.

وكانت الفكرة تتضمن ارسال هؤلاء الاقارب الى العراق في مهمة لحث هؤلاء العلماء على اخبار اقاربهم بما يعرفونه عن برامج اسلحة الدمار الشامل ونقل هذه المعلومات لاحقا الى وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية.

وتقول سوسن "كنت متشنجة" حيال فكرة العودة الى العراق الذي فرت منه العام 1979، مضيفة "لقد بحثت مع زوجي في كل الاحتمالات مثل ان يصيبني مكروه هناك".

لقد غامرت بحياتها فعلا وبحياة شقيقها والعائلة جمعاء لو ان الاجهزة التابعة لصدام حسين عرفت بالاسباب الحقيقية لرحلتها الى العراق.

لكنها كانت مصممة على مساعدة بلدها وقررت الذهاب حاملة معها سلسلة من الاسئلة التي تريد "سي اي ايه" القاء الضوء عليها، وبما انها لم تكن واثقة من ذاكرتها قامت باخفائها في رسومات وكلمات متقاطعة لا يستطيع احد فك لغزها سواها.

ويروي توفيق قائلا "توجهت الى المطار" لاستقبالها في التاسع من ايلول/سبتمبر 2002.

واوضح انه تناقش في الموضوع مع شقيقته مرارا وخفية خارج المنزل العائلي، واصيب توفيق بالذهول فالاسئلة التي طرحتها شقيقته تكشف جهل الاجهزة الاميركية بحقيقة الامور.

ويقول في هذا الصدد "كان لدى الاميركيين 20 سؤالا اساسيا واجبت على كل منها بالنفي. اجبتها بانه لم يعد هناك اي شيء. قولي لهم لم يعد هناك اي شيء".

ويؤكد ان صدام شخصيا اعطى اوامره بتفكيك جميع برامج اسلحة الدمار الشامل منذ العام 1995 اثر فرار حسين كامل صهر الرئيس المسؤول عن برامج التسلح السرية واعترافاته للمفتشين في الامم المتحدة.

من جهتها، تقول سوسن "طلب مني شقيقي ان اشرح للاميركيين كل ذلك وعندما رجعت ابلغتهم ما سمعته منه بكل امانة. في البدء، كانوا يصغون الي بكل تهذيب لكنهم عادوا وقالوا ان شقيقي يكذب".

ومع ذلك، كان توفيق يقول الحقيقة والحرب التي قضت على صدام وجلبت الفوضى والعنف للعراقيين برهنت انه كان محقا، بالاضافة الى علماء اخرين كانوا متورطين في هذه العملية.

من جهته، يقول بول بيلار المسؤول عن الشرق الاوسط في "سي اي ايه" خلال تلك الفترة "دون ادنى شك، كانت هناك عوامل اخرى تناقض ما قاله هؤلاء الاشخاص، وتشير الى استمرار برامج اسلحة الدمار الشامل".

لكن توفيق يرى "عدم ضرورة تدمير بلد لهذا السبب".

No comments: