Tuesday, January 29, 2008


بقلم: رائد قاسم

اتصل بي احد الأصدقاء وهو في قمة نشوته وزهوه، قائلا بأنه قد حدثت معجزة في حسينية الغميري بالعوامية (1) في منطقة القطيف السعودية وانه من الواجب أن نذهب إلى هناك لنيل البركات! استحسنت الفكرة فذهبنا سويا. عند وصولنا شاهدنا عشرات السيارة والحافلات.. نظرنا رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا.. جميعهم جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا المعجزة التي لا ينكرها إلا النواصب والعلمانيين وحملة الفكر المادي! إنها على وجه العموم إحدى المعاجز والكرامات (2) الكثيرة التي لا تحدث إلا للنساء والأطفال غالبا في بلادنا! والتي تقع في اغلب الأحيان في غمرة التفاعل العاطفي في موسم عاشوراء وغيره من المناسبات الدينية الكثيرة والمتعددة التي يحييها المسلمون الشيعة على مدار العام.

دخلنا إلى الغميري! تساءل صاحبي: اوليست هذه حسينية خاصة بالنساء؟ قلت: نعم.. ولكن في مثل هذه المواقف والأحداث فان الاختلاط الممنوع بين الجنسين يصبح مباحا، فعند الضرورات تباح المحظورات! فان منعنا الرجال من دخول الحسينية بحجة حرمة الاختلاط، حرمانهم من نيل البركة! فلا باس منه إذن بقيود وضوابط، لذلك قرروا رفع الحظر عن الاختلاط بين الرجال والنساء مؤقتا لكي لا يأثموا بمنع الذكور من جني بركات هذه المعجزة!

دخلنا للحسينية.. رأينا عشرات الفتيات والنساء والرجال والأطفال متحلقين حول نخلة!عاكفين على مسح أيديهم وثيابهم بجذعها! اندفعت لسؤال أي من الحاضرين، ولأني لا أمارس التمييز بين الرجال والنساء في مثل هذه الظروف فقد هممت بالتحدث إلى إحدى الفتيات ولكني تنبهت إلى انه قد تحدث لي مشكلة عويصة! وسيقولون باني انتهز الفرصة لمغازلة الفتيات اللاتي كشف الكثير منهن وجوههن في حالة نادرة! طبعا ليتسنى لهن مشاهدة المعجزة! ولربما على اثر ذلك يصدرون قرارا بمنع دخول الذكور إلى الحسينية! سدا للذرائع ودرئا للمفاسد! فقلت في نفسي سأتحدث مع احد الفتيان! فنهرني صديقي قائلا "توخ الحذر! فحتى محادثتك للأولاد الصغار بها حرج كبير وستثار حولك الظنون! وستكون عليك لا لك!"

نظرت من حولي فوجدت شبانا مفتولي العضلات وعلى وجوههم يرتسم العبوس! فقلت في نفسي الأسلم أن انتظر فرصة سانحة لأتحدث مع احد الشبان الذين تجاوزوا العشرين عاما! على أن يكون شاربه غليظ وذقنه مرسل!

وبعد جهد جهيد عثرت على احدهم فسألته: هل وجدت شيئا من آثار الدم المبارك؟ فقال: في الحقيقة لم أر شيئا! ولكن أصدقائي وجدوا منها بضع قطرات ولكنها الآن جفت على ما يبدوا!

ثم توجهنا إلى شجرة الكنار، فوجدنا عليها رجالا ونساء كثيرين! وفي وسطهم احد الشبان المتدينين ينظم عملية التبرك بالشجرة المباركة، لكي لا تحدث تجاوزات لا يحمد عقباها!.. جاء دوري للتمسح بالشجرة المباركة ودمها بعد طول وقوف وازدحام شديد، حاولت أن اغنم شيئا من الدم المقدس فلم احصل على نتيجة، قلت في نفسي لعل إيماني ضعيف! انتظرت دور صاحبي لعله يجد منها مغنما إلا انه عندما انتهى من طقوس القداسة قال لي لم احصل إلا على هذه البقع التي لا لون لها وسوف احتفظ بها للبركة!

وقفت بمحاذاة جانب الرجال ورحت اسأل كل من أرى عيني تلامس عيناه ما إذا كان قد وجد شيئا من هذا الدم السماوي فأجابني الجميع بالنفي! وتجرأت بالتحدث إلى امرأة! بعد التأكد من أنها تجاوزت الخمسين عاما وسألتها عن ما شاهدته، فأرتني مناديل ورقية بيضاء قائلة: لقد جف الدم المبارك يا بني! يا لسوء حظي! قلت لها:انتظري الكرامات القادمة!

التقيت بشبان جاءوا للفرجة وتفريج الهم والتأمل في مخلوقات الله! أرجو أن لا تفهموني وتفهمونهم خطا! فهؤلاء الشبان الطيبون لم يأتوا للتحرش بالفتيات أبدا! إنهم شباب ذكور يعيشون كغيرهم في معترك حياة اجتماعية منغلقة وعلاقات إنسانية رتيبة، فكل شي قديم ومتهالك ومكرر، وشكل الحياة اعتيادية طوال العام، ويكاد يعيشون في وضعية نادرة، فكل شي أما حرام وأما مكروه وأما غير مقبول وأما مخالف للتقاليد والأعراف وأما.. وأما..حتى الأعياد والمناسبات لا يشعرون بها إلا إذا غادروا بلادهم الكئيبة، بيد إنهم عندما سمعوا بهذه الكرامة جاءوا على عجل من اجل أن يتذوقوا طعم التغيير والخروج من النسق المتصلب والالتزام الخشن بالأنظمة المقومة لسلوك الفرد، فكان تجمع النساء والرجال في مكان واحد، وتحت سقف واحد بدون حواجز، ومشاهدتهم للفتية والفتيات والرجال والنساء وهم بوضع أشبه ما يكون بالطبيعي أمر غير طبيعي بحد ذاته! ونظام لم يألفوه! مما رسم البسمة والسعادة على وجوههم! فالأنثى لا يرونها ولا يسمعون صوتها بل ولا يكادون يشعرون بطيفها، هاهم يرونها الآن! لها لسان وشفتان! عينان وأذنان! تتكلم وتسمع وترى وتشاهد! في مشهد متناقض مع صورة المرأة التي يشاهدونها في كل مكان.. كائن يسير على هيئة الأشباح! بلا شخصية أو كيان معترف به سوى كونها أنثى! وهم لأول مرة يشاهدون صبيان لم يرونهم من قبل، فالكثير من الأولاد لا يخرجون من بيوتهم إلا قليلا، خوفا من الذئاب البشرية التي لا تخلوا منها شوارع وأزقة مجتمع الفضيلة!

على وجه العموم زودوني مشكورين بقطع من الشجرة وملابس ممرغة بدم المعجزة أو الكرامة، فعرجت إلى احد المستوصفات الخاصة لتحليلها، وبعد يوم من الانتظار ظهرت النتيجة! قالت لي أخصائية المختبر إنها ليست دماء بل افرازات نباتية!

التقيت بأحد الأصدقاء الذين يمتلكون خبرة في شئون الزراعة فأكدوا لي بان ما شوهد من هذه الأشجار وأمثالها ليست سوى إفرازات نباتية تحدث أحيانا، خاصة في فصل الشتاء! عرضت هذه النتيجة على صديقي فقال لي: قد يكون كلامك صحيحا ولكن لما هذه الإفرازات الحمراء في أيام عاشوراء؟ ثم ما رأيك بالسحابة التي ظلت جاثمة في سماء الحسينية أكثر من يوم! ثم ما رأيك بالأضواء الغريبة التي رأتها الحاضرات ولم يعرف مصدرها! ثم ما رأيك بحادثة الماء المبارك الذي تدفق من إحدى عيون جزيرة تاروت قبل أيام وشفى أناس كثيرين؟ والدماء التي سالت من احد جدران حسينيات النساء في بلدة القديح المجاورة؟!

***

الإنسان دائما ومنذ القدم كان مؤمنا بالخوارق والمعجزات، ولعل في سيرة أقوام الأنبياء دلالة على ذلك، خاصة سكان البوادي، الذين لا يرون عادة سوى الصمت الموحش في الصحراء، لذا فقد كانوا مشدودين للمجهول الذي سيدفعهم لتغيير واقع حياتهم المرتبط بوحشة الصحراء وسكونها الرهيب، أما عند سكان الحواضر والواحات فقد كانت المعجزات – كعصا موسى وطب عيسى ونار إبراهيم وقرآن محمد- بمثابة دليل لا ريب فيه على وجود قوة خارقة غير منظورة تفوق مستوى التقدم والرقي الذي بلغته تلك الأقوام في أزمانها.

لقد كان الوصول إلى القمر قبل 70 عاما ضربا من الخيال والحلم المستحيل، ولكن خلال أربعين عام تحول إلى حقيقة لا ريب فيها، لقد شدت الإنسان منذ نشأته الأساطير والأحلام والأوهام، وداعبت خياله قصص الجان والمخلوقات الغريبة وسباحتها في الفضاء اللامتناهي وانتقالها بسرعة مهولة من مكان لآخر، واتصالها بعضها البعض على بعد مسافات شاسعة، لقد كان الإنسان يعتقد بان الجن أرقى منه، إلا انه استطاع بعقله الجبار أن يفوق الجن قوة وعلما وجبروتا، فكان أن غزا الفضاء وقطع الأمصار بساعات محدودة، وأصبح أهل الشرق يكلمون أهل الغرب، وكلما حدث في أقصى الأرض واقعة عرف بها أدناها، وتحول العالم المترامي إلى مدينة واحدة.. لقد غدا المستحيل حقيقة، وصار الحلم واقعا ملموسا، وتحول الوهم إلى مشهد حي متحرك.

لا ينكر من حيث المبدأ إن هناك أشياء غريبة وعجيبة في هذه الكون، لأنه ببساطة عبارة عن عوالم مرتبطة يبعضها، والبشر الذين رحلوا عن الحياة الدنيا ليسوا سوى أمواتا بأجسادهم إلا إنهم قريبين منا، ما يزالون أحياء، يدركون ما كانوا عليه وما آلوا إليه، محتفظين بمهاراتهم وقدراتهم، ولكن لا بد أن نتوصل للطريقة التي نستطيع من خلالها التواصل معهم، ومن هنا عرف الإنسان الرؤيا والتنجيم وتحضير الأرواح والجن والعفاريت وسائر المخلوقات الأثيرية، إذ يمكن الاتصال بهم والتعامل معهم والاستفادة منهم من خلال العلوم الروحانية التي عرفها الإنسان منذ قديم الزمان.

لا احد ينكر تأثير الأرواح الخيرة على البشر، سواء في حياتهم الأرضية أو الأثيرية، كما يتأثر الإنسان بالمخلوقات الغير منظورة بشكل أو بآخر، كما أن ثمة العديد من الظواهر التي لم يوجد لها تفسير علمي ورغم ذلك لم ينكرها إلا القلة من العلماء الماديين، أتذكر إن قناة الجزيرة القطرية عرضت قبل مدة تحقيقا عن العاصمة الروسية موسكو وكان مما جاء فيه التطرق لكنيسة قديمة بنيت قبل مئات السنوات، وكيف إنها برغم الحروب والدمار الذي تعرضت له المدينة لم تصب بأي أذى! وكيف إن لينين أمر بإزالتها ولكنه تراجع عن قراره دون إبداء أية أسباب! وشاهدت في بيروت كنيسة أو قبر لراهبة مسيحية، قيل إنها مقدسة لدى المسيحيين لأنها والحي الذي تتوسطه لم تتعرض لأذى خلال الحرب الأهلية الطاحنة، ولم تصب بأي قذيفة أو طلقة نار، كما سلمت كافة المنازل التي تحيط بها، وقبرها اليوم مزارا ومعلما سياحي ورمزا مقدسا لدى مسيحيي لبنان والمنطقة.

إن معظم الظواهر اللاحسية جرى ويجري تبويبها كعلم معترف به يدرس في اكبر الجامعات والمعاهد، وأنشئت من اجله العديد من مراكز البحوث والدراسات، لقد تعامل معها العلم باعتبارها ظواهر لا بد من تفسيرها وإدراجها تحت بنود علمية متفق عليها، فظهر علم الباراسايكلوجيا (ما وراء الطبيعة) والعلم الروحي الحديث، الذي يهتم بدراسة الظواهر الميتافيزيقية، التي ليس له تفسير علمي محدد، ولا تندرج تحت لواء مجال علمي معين، كما يهتم بدراسة الروح الإنسانية والحياة بعد الموت، باعتبارهما حقيقة مجردة لا لبس فيها، وهكذا بدا العالم المستنير في التعامل العقلاني مع الظواهر الغير طبيعية واللامحسوسة، بعيدا عن قيم الخرافة واللامعقول، والتضخيم والتهويل، أتذكر انه قبل سنوات طويلة كان المتطرفون يشيدون بسذاجة كيف أن الإمام الخميني (رحمه الله) تنبأ بانهيار الاتحاد السوفييتي قبل انهياره بخمس سنوات، وكيف أن ذلك من كرامته وغرائبه! بيد أنهم لم يعرفوا أن التنبؤ أصبح علما من العلوم التي تدرس في أرقى الجامعات والكليات، وان له مواد ومناهل لا بد من تلقيها، وان الكثير من المحللين والمفكرين تنبئوا بسقوط الاتحاد السوفييتي قبل وبعد الإمام الخميني، من بينهم كاتبة ألمانية، أوردت ذلك في احد كتبها قبل ظهور علامات انهيار الكتلة الشرقية بسنوات! كما تنبأ بعض الكتاب العراقيين باحتلال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت أوائل الثمانينات وحذروا من ذلك ولكن لم يسمع لهم احد.

إن معظم الظواهر الغير طبيعية يجري الآن معالجتها والنظر إليها والتعامل معها على أساس إن لها تفسيرا علميا لا بد من الوصول إليه، لتبويبها في احد العلوم المعروفة أو جعلها أساس لتخصص علمي جديد دو معطيات حقيقية متفق عليها، ومن هنا نشأت الكثير من العلوم الطبيعية والإنسانية خلال العشرين سنة الماضية، بينما المجتمعات الإسلامية ما تزال تتعاط مع الظواهر اللاحسية بسذاجة لا نظير له، ولعل ما حدث في حسينية الغميري شاهدا على ذلك!

إن مجتمعاتنا الإسلامية ما تزال أسيرة للخرافات والشعوذات، يكسب منها المئات بل الآلاف من الذين يأكلون ويشربون ويتنعمون بأموال السذج والبسطاء وفاقدي الأمل، ولعل قناتي شهرزاد وكنوز دليل على ذلك، فعندما يفقد الإنسان بارقة الأمل وينعدم رجاءه في التغيير، فانه لا إراديا يتجه نحو التمسك بقشة، لا فائدة ترجى منها، قد تمنحه الأمل بيوم الخلاص وتعيد له الحياة من جديد، لعله بها يتخلص من ضعفه وبؤسه وشقاءه وقهر وعوزه. لعله يتمكن بها من تحقيق أحلامه وآماله، والنساء المسلمات العربيات باعتبارهن العنصر الأكثر سحقا وتخلفا وانحطاطا إنسانيا وحضاريا، وأكثر عرضة للإيمان بالخرافات والأوهام التي ليس لها وجود سوى في عقولهن البائسة وكياناتهن المحطمة، التي تحيى بوسط محيط اجتماعي جبل على تحطيمهن وتدميرهن والنظر إليهن باعتبارهن كائنات سخيفة... هنا يتجه الإنسان المرأة إلى المكر والخديعة، فهي سلاح الضعفاء.. هنا تتجه المرأة المسحوقة إلى اللامعقول لتحقق بها المعقول!.. هنا تتجه المرأة المحاصرة حتى مماتها إلى اللاحسي لتحقق به الحسي! تتجه إلى ما وراء الطبيعة لتحقق بها أحلامها الطبيعية المشروعة! لتتأصل هذه المعتقدات في الذات الأنثوية عبر الأجيال لينتج عنها كائن إنساني معوق اسمه المرأة!

إن المرأة البائسة اليائسة من كل شي تتوجه بعقلها اللاواعي نحو الاتصال بالجن والعفاريت والإيمان بالظواهر الغير مثبته علميا وتتوسل بالأرواح التي تعتقد بأنها سوف تخلصها من الجحيم الذي تعيش فيه.. تعقد الأمل على الأرواح العليا لعلها تغنم منها شيئا وتحقق لها حلما، بعد أن سدت أمامها كافة الأبواب والفرص وحوصرت في زاوية معتمة لكونها أنثى.

لذلك يلاحظ إن الرجال – بشكل عام - اقل عرضة بنسبة كبيرة من التأثر بهذه الأوهام، ولعل حادثة حسينية الغميري دليل على ذلك، فالحضور النسائي كان طاغيا أمام الرجال الذين بدا حضورهم متواضعا، فيما عجت أزقة الحسينية بالشبان المراهقين الذين جاءوا بدافع الفضول ومرافقة أخواتهن وأمهاتهن لمشاهدة الوهم الذي اسمه كرامة حسينية في جذوع أشجار عقيمة.

لقد قرأت في صحيفة اليوم السعودية أن اقتناء الأحجار الكريمة يزداد في أيام الامتحانات! وخاصة من النساء! قلت في نفسي وهل استفاد منها أبناء هؤلاء الذين يتاجرون بها يا ترى! ومثلما قال احد الخطباء المفوهين متسائلا إذا كانت هذه الخواتم تجلب الأرزاق فلماذا إذن لا يستفيدون منها هم أنفسهم ليزداد رزقهم وتتوسع تجارتهم؟!

وتنتشر في المجتمعات الدينية الشيعية ظاهرة رسائل الجوال، التي تحث على نشر كرامات الأئمة والتحذير من كتمانها، وقد أفتى السيد علي السيستاني - الذي يعد اكبر مرجع ديني للشيعة- ببطلانها وعدم العمل بها على نحو الإطلاق، ومن الواضح إن هناك فئة تغنم الكثير من المال والنفوذ من جراء استمرار الإيمان بهذه الأوهام، لذلك تعمل على إشاعتها واستمراريتها، وتمارس الإرهاب الروحي والقمع الوجداني بحق كل من يخالفها ويقف في طريقها.

قبل أيام شاهدت خبرا يقول بان عام 2008م هو عصر الرحلات الفضائية السياحية! وان الانتهاء من بناء أول مركبتين فضائيتين سيتم خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، ليشرع الباب أمام السياحة في الفضاء بمبالغ تبدأ من 200 ألف دولار! أما شعوبنا المسكينة فإنها ما تزال تعيش الماضي السحيق، منشغلة بصراعات انتهت ولم يعد لها وجود! مشغولة بأناس عرجوا إلى بارئهم ولم يبقى لهم سوى تاريخهم الذي قد يكون مشرقا هنا ومظلما هناك! تبحث عن آثارهم، حتى لو كانت أوهاما ليس لها وجود سوى في العقول التي تسبح في أرجاء التاريخ الذي لن يعود أبدا.

في ظل مجتمعا مسحوق! وبنا تحتية محطمة! لا يجد الإنسان سوى التمسك بالخرافات والأوهام علها تزيح عن كاهله إحساسه المرير بالضعف والهون والانحطاط، في ظل انعدام الحرية والحقوق المشروعة سيظل إنساننا حائرا.. هائما على و جهه حتى يتبين له ويوقن إن الحرية حق، والحرية دين، والحرية حياة، والحرية وجود، الحرية روح، الحرية إنسان، والحرية امرأة.

رائد قاسم

***

هوامش

(1) إحدى مدن محافظة القطيف- شرق المملكة العربية السعودية- تضم أرجائها أشجار مزروعة منذ 200 عام، أي منذ أن وهب احد الأمراء السعوديون شاطئ الرامس لأهالي العوامية ليتخذوه منطقة زراعية كبرى، ذات ملكية عامة، في أول نظام اشتراكي يطبق حتى اليوم في الخليج، الأمر الذي جعل التوارث على ملكية الأراضي الزراعية يجري وفقا للعرف السائد، دون الاتكاء على نظم قانونية واضحة، مما أدى إلى نشوء صراعات كبيرة حول ملكية منطقة الرامس الزراعية ما بين أطراف حكومية وشعبية، ما تزال تجاذبانها حتى الآن ولم يتم التوصل لحلول جذرية، وقد أفرزت بعض هذه الأشجار مواد طبيعة نتيجة لمرورها بفصل الشتاء وبعض العوامل الأخرى التي يعرفها الخبراء الزراعيون، فظن البسطاء إنها إحدى كرامات عاشوراء، وعزز من هذه القناعات تزامن هذه الإفرازات مع أيام إحياء ذكرى عاشوراء في الخليج وبقية البلدان الإسلامية.

(2) يفرق علماء العقائد بين المعجزة والكرامة، ومن أهم الفروقات، إن المعجزة من مختصات الأنبياء، وإنها من علامات النبوة، بينما الكرامة من الممكن أن يتحلى بها أي عبد صالح، والمعجزة غالبا ما تبقى وتستمر ما دام صاحبها حي، بينما الكرامة لها وقت مخصوص، وتنقضي بعد ذلك. ( راجع كتب العقائد)

No comments: