Wednesday, January 16, 2008

العراقيون يعايشون جراحهم على مدى أجيال قادمة



بغداد - على مدى أجيال قادمة سيتعين على العراقيين معايشة آثار الجروح البدنية والمعنوية لعشرات الالاف الذين أصيبوا اصابات حادة في أعمال العنف الذي يعصف ببلادهم منذ أربع سنوات.
ومن بينهم الاف بترت اعضاؤهم والعديد منهم من الاطفال.
فالتاريخ والوقت والمكان الذي تغيرت فيه حياة علي عبد الله محفور في ذاكرته.
كان يوم 24 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2005. صباح يوم خميس وهو في الثالثة عشرة من عمره.
يدير والد علي ساحة انتظار للسيارات في جنوب بغداد. وفي ذلك اليوم وافق على ان يترك ابنه الوحيد يبدأ العمل وحده لاول مرة. كان فخورا به.
ذهب علي الى العمل. وفي الضحى خرج لتناول الافطار وصادفت لحظة خروجه انفجار سيارة ملغومة. ودمرت الشظايا احدى ساقيه واحدى عينيه وأمطرت صدره بالجروح.
حكى علي قصته وهو ينتظر ساقا صناعية جديدة في مركز بغداد للاطراف الصناعية احدي عياديتين للاطراف الصناعية في العاصمة العراقية.
وقال "جئت لاستبدل القديمة لانها صغرت وأصبحت أعرج وأنا أسير."
وصل علي الى المركز مع احد جيرانه وهو شرطي عمره 23 عاما يأمل في الحصول على قدم صناعية بعد أن فقد قدمه في انفجار عند حاجز تفتيش كان موجودا به.
وسجل مركز بغداد وحده 2700 حالة تركيب أطراف صناعية منذ عام 2003. وتكلفة العناية بها كبيرة خاصة في حالات الاطفال الذين يحتاجون لاستبدال الاطراف الصناعية باستمرار مع نموهم.
وقال قاسم محمد نائب مدير المركز "نحن نعنى في الاغلب بالاطفال. نحاول ان نوفر لهم الاطراف الصناعية بأسرع وقت ممكن. ونتطلع لمساعدتهم على العودة للمدارس ولحياتهم الطبيعية."
والى جانب التكلفة الفعلية يكون هناك أثر نفسي كبير.
وقال حسين مجيد واحد من نحو 20 أخصائي أطراف صناعية في ورشة المركز حيث تصنع الاطراف باستخدام الات قديمة وقوالب الجص واللدائن والصمغ " بعضهم يأتي الى هنا يائسا لكننا نحاول زرع الامل في قلوبهم لان 50 بالمئة من العلاج نفسي."
وقال سعد الشبوت (65 عاما) انه يشعر الان بالقدرة على التكيف بعد عامين من فقد ساقه في انفجار قنبلة في سوق الشورجة في بغداد.
وقال في غرفة الانتظار بالمركز "وصلت في لحظة الى الرغبة في الانتحار لكني أفضل الان."
وأضاف "انا مدير في الخطوط الجوية العراقية. وكنت على وشك النقل لرئاسة فرع الشركة في القاهرة لكني ألغيت النقل. كيف أذهب بلا ساق."
وحتى الاطباء يتأثرون عاطفيا بالحالات.
فتذكر صادق علي الاخصائي النفسي بالمركز الذي يساعد الضحايا على التكيف مع حياة العجز شابا عالجه منذ شهرين بعد أن فقد أطرافه الاربعة.
وقال "كنت على وشك البكاء أمامه لكني خفت أن يجرحه ذلك. كانت معنوياته مرتفعة وتقبل مصيره."
وعادة ما يحتاج الجرحى لعمليات جراحية متطورة قبل تركيب الاعضاء لكن العراق شهد نزيفا للعقول اذ فر الاطباء المتخصصون خائفين بعد ان استهدف المسلحون والخاطفون والعصابات الاطباء.
وقال أحد أبرز الجراحين في هذا المجال في بغداد والذي طلب عدم نشر اسمه او اسم المستشفى الذي يعمل به "كان لدي عشرة أطباء تخدير الان لدي اربعة."
وتابع ان المستشفى بامكانه أجراء عشر عمليات اسبوعيا انخفاضا من ما بين 14 و15 عملية اسبوعيا قبل الحرب.
وفي طرقات المستشفى يهدهد اب ابنته نبعة وعمرها عامان انتظارا لدورها ليفحصها الاستشاري.
فقد أصيبت بطلقين ناريين في الرأس منذ عام اثناء سفرها مع مجموعة من أقاربها بالسيارة الى بغداد. نجت من الموت لكن جلد رأسها تضرر بشدة مما تركها صلعاء.
وقال والدها مهدي وهو يحمل طفلته بيد وصور الاشعة باليد الاخرى "قتل شقيقي وابن عمي وأصيبت زوجتي ووالدتي بجروح. وأصيب شقيقي الاخر بجروح خطيرة من 11 رصاصة وهو يرقد الان في مستشفى."
وفي مركز الاطراف الصناعية طلب الفنيون من علي العودة بعد شهر للحصول على الساق الجديدة.
وقبل أن يغادر حكى قصة الانفجار مرة أخرى وكيف يطلب منه زملاؤه في المدرسة ان يريهم ساقه الصناعية لكنه لا يريها الى للاصدقاء المقربين.
وقال "بالطبع أتمني لو لم أكن خرجت في ذلك اليوم... كان يوم خميس في الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم 24 من نوفمبر 2005."

No comments: